
في مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ ظهرت مجلة تحمل إسم Mauritanie Nouvelles فاجأت المجلة قراء الصحف في موريتانيا بتنوع أبوابها؛ فمن السياسة إلي الإقتصاد والمجتمع والرياضة تزينت صفحات المجلة التي اكتسبت قراءً نوعيين وحجم تأثير منقطع النظير وبلغت المجلة من الانتشار ماجعل مؤرخي الصحافة في موريتانيا يعتقدون أنها دخلت كل بيت موريتاني يقطنه من يقرأ لغة مولير!! وبطاقم تجاوز العشرين صحفيا قاد ولد السالك جنوده نحو التميز وإزعاج السلطة رغم قرابته برأس النظام آنذاك. اختط ولد السالك أسلوبا بديعا في افتتاحياته؛ بجمله القصيرة والمكثفة يهتم مدير التحرير بتحليل آخر حدث عاشه الموريتانيون خلال الأسبوع . كانت أكبر " ضربة " صحفية سجلتها المجلة في تاريخها؛ حسب ولد السالك هو تحقيق استقصائي نشرته المطبوعة الأسبوعية الأشهر حينها عن ملف فساد يتعلق بوزارة محو الأمية؛ ورغم ضيق ذات اليد وشظف العيش في نواكشوط التسعينات لم يرضخ القائمون على المجلة لإغراءات "جزر " السلطة ولم يُفكروا في "عصاها". وبالفعل قرر الرئيس الطايع إقالة الوزير الذي تحدث تحقيق المجلة عن صفقاته !!! منح صفاء طقس مدينة تگنت أن أنسج علاقة سريعة مع القامة الإعلامية اباه ؛ وتذكر بكل فخر كيف أنقذت الصحافة سكان مدينة أوجفت في ولاية آدرار حين نشرت مجلته تقريرا عن بوادر مجاعة في المقاطعة التي كانت تُعاني من الجفاف وانعدام وسائل التغذية في منتصف تسعينيات القرن الماضي وحين علمت الحكومة وهيئات الأمم المتحدة بدأ التدخل لإنفاذ مواطنين موريتانيين يعانون من العزلة والجفاف . أحب العميد أباه لأسباب ذاتية؛ فتغطية مجلته لحادثة " طائرة تجكجة" مازالت أذكرها بقلب مُحطم وبذرة صحفي . في فاتح يوليو 1994 تحطمت طائرة تابعة للخطوط الجوية الموريتانية على مدرج مطار تجكجة عاصمة ولاية تگانت ( وسط موريتانيا) أصيب الإعلام الرسمي بشلل ولم يتخذ أي مسؤول قرارا حول تغطية الخبر قبل أن يعلم الرئيس الذي كان يستمتع بعطلته الأسبوعية في قصره المُشيد ظلت إذاعتنا تبث مسطرة برامجها التي ركزت في ذلك اليوم؛ وكان جمعة على شريط طويل من الفنانة عليه اعمر تيشيت . وفي نشرات الواحدة والرابعة قرأ علينا المذيع أخبار الوطن السعيد؛ بينما كان الأهالي في تجكجة يُطفئون هيكل طائرة محترقة بدموعهم !!! هرع اباه إلى مطار نواكشوط الدولي بلكصر وعثر بالصدفة على بعثة تحقيق يرأسها الأمين العام لوزارة التجهيز والنقل تستعد للمغادرة إلي تجكجة؛ ورفضت البعثة اصطحاب ولد اباه بسبب توجسهم من عدسة كاميرته التي كانت بادية لهم بشكل مزعج واستقلاله في الرأي وانحيازه للحقيقة!! أرسل اباه وزميله الراحل حبيب محفوظ موفدين إلى تجكجة؛ وفي تلك الأثناء استدعى مدير الصحافة أغلب الناشرين وقال لهم بصوت مسموع البطرون؛ قال لكم لاتكتبوا حرفا عن طائرة تجكجة!! لم يترك أصبع المدير - الذي أشار باصبعه نحو صورة الرئيس المعلقة فوق رأسه - اي مجال للتكهن بمصدر الأوامر!! لم يأبه ولد السالك وزملائه لتحذيرات ولد الطائع وخرجت عناوين مازالت توثق فضيحة نظام حيال مأساة مئات الأسر التي فقدت أحبتها في لحظة واحدة وامتنع نظامهم السياسي عن مواكبة حزنهم في يوم أسود في تاريخنا السياسي والاجتماعي. تحية للعميد آباه السالك ومتعه بالصحة والعافية . بقلم اقريني مينوه